سورة الذاريات - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


قال الله تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ}، أي: أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضًا بالتكذيب وتواطؤا عليه؟ والألف فيه للتوبيخ، {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}، قال ابن عباس: حملهم الطغيان فيما أعطيتهم ووسعت عليهم على تكذيبك، {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ}، فأعرض عنهم، {فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}، لا لوم عليك فقد أديت الرسالة وما قصرت فيما أمرت به.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد ذلك على أصحابه، وظنوا أن الوحي قد انقطع، وأن العذاب قد حضر إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى عنهم، فأنزل الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، فطابت أنفسهم.
قال مقاتل: معناه عظ بالقرآن كفار مكة، فإن الذكرى تنفع من سبق في علم الله أن يؤمن منهم. وقال الكلبي: عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم.
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}، قال الكلبي والضحاك وسفيان: هذا خاص لأهل طاعته من الفريقين، يدل عليه قراءة ابن عباس: {وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون}، ثم قال في أخرى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس} [الأعراف- 79].
وقال بعضهم: وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم إلا لمعصيتي، وهذا معنى قول زيد بن أسلم، قال: هو على ما جبلوا عليه من الشقاوة والسعادة.
وقال علي بن أبي طالب: {إلا ليعبدون} أي إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي، يؤيده قوله عز وجل: {وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا} [التوبة- 31].
وقال مجاهد: إلا ليعرفوني. وهذا أحسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده، دليله: قوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف- 87].
وقيل: معناه إلا ليخضعوا إليّ ويتذللوا، ومعنى العبادة في اللغة: التذلل والانقياد، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله، متذلل لمشيئته لا يملك أحد لنفسه خروجًا عما خلق عليه.
وقيل: {إلا ليعبدون} إلا ليوحدوني، فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء، بيانه قوله عز وجل: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين} [العنكبوت- 65].


{مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ}، أي: أن يرزقوا أحدًا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم، {وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}، أي: أن يطعموا أحدًا من خلقي، وإنما أسند الإطعام إلى نفسه، لأن الخلق عيال الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه. كما جاء في الحديث يقول الله تعالى: {استطعمتك فلم تطعمني} أي: لم تطعم عبدي، ثم بين أن الرازق هو لا غيره فقال: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ}، يعني: لجميع خلقه، {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، وهو القوي المقتدر المبالغ في القوة والقدرة.
{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا}، كفروا من أهل مكة، {ذَنُوبًا}، نصيبًا من العذاب {مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ}، مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعاد وثمود، وأصل الذَّنُوب في اللغة: الدلو العظيمة المملوءة ماء، ثم استعمل في الحظ والنصيب، {فَلا يَسْتَعْجِلُونِ}، بالعذاب يعني أنهم أُخِّروا إلى يوم القيامة.
يدل عليه قوله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}. {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} يعني: يوم القيامة، وقيل: يوم بدر.

1 | 2 | 3 | 4